أخبار وتقاريرأدب وفنأهم الأخبارالعرض في الرئيسة

قراءة تحليلية لنص “لو تبلعني الارض” لـ”أحمد سيف حاشد”

يمنات

هذه القراءات أنجزت بالاعتماد على أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وهي الحلقة الرابعة من ثمان حلقات، سيتم تناولها تباعا، وتتناول نص “لو تبلعني الأرض” للكاتب والبرلماني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر”. 

قراءة عامة

“لو تبلعني الأرض” هو نص: صادق حتى الإيلام، شجاع في عريه، وإنساني في انكساره، عميق في رمزيته، ولا يستجدي التعاطف، بل يكشف الذات، وهو ايضا تجربة لا إدعاء. 

تتقدم في النص الذات وهي عارية من دروعها الخطابية، تتلمس طريقها بين رغبة مشتعلة في العبور، وخوف ثقيل من السقوط، بين حلم يلوّح بإشارة، وواقع سرعان ما يسحب يده إلى الخلف. 

نوع النص وجنسه الأدبي

النص سرد اعترافي – شعري، يقع في منطقة وسطى بين:

 • القصة القصيرة جداً

 • المونولوج الداخلي

 • النثر الشعري

 • اليوميات العاطفية ذات البعد الفلسفي

ولا يعتمد الحبكة التقليدية، بل حبكة نفسية: توتر .. أمل .. التباس .. انكسار .. انسحاب وجودي. 

العنوان ودلالته

«لو تبلعني الأرض!”

العنوان يحمل:

 • ذروة الخجل الوجودي لا الاجتماعي فقط

 • رغبة في الاختفاء لا الموت

 • إحساساً بالعري أمام الذات قبل الآخرين

وهو عنوان يشتغل بوصفه خاتمة مسبقة: فالنص كله يتحرك باتجاه هذه اللحظة.

المرأة في النص

المرأة:

 • لا تتكلم

 • لا تُدان

 • لا تُشيطن

هي:

 • مرآة لرغبة الراوي

 • لا تتحمل ذنب التباسه

وهذا يُحسب للنص أخلاقياً:

الانكسار ذاتي، لا إسقاطي.

الصوت السردي

الصوت هو أنا متكلمة، لكنها:

 • ليست واثقة

 • ليست مستقرة

 • ليست بطولية

بل أنا:

 • ممزقة

 • مترددة

وهنا تتجلى شجاعة النص:

فهو لا يكتب عن الانتصار، بل عن الهشاشة الذكورية، وهو أمر نادر في السرد العربي.

الذروة الفنية

ذروة النص ليست الاعتراف، بل سوء الفهم:

هذه لحظة:

 • كسر للخيال

 • سقوط من أعلى الأمل

 • انكشاف الذات أمام نفسها

ومن هنا جاء العنوان.

اللغة والأسلوب

 • لغة مشحونة

 • جُمل طويلة متدفقة (تعكس اضطراب النفس)

 • تراكم صوري مقصود

 • لا اقتصاد لغوي، بل إفراط شعوري واعٍ

قد يُؤخذ عليه:

 • شيء من الإطالة

 • كثافة التشبيه

لكن هذا يخدم طبيعة الاعتراف والانفجار النفسي.

الثيمة المركزية

يقدّم النص الحب لا بوصفه نشوة خالصة، بل امتحانًا قاسيًا للكرامة، ومجازفة قد تكلّف صاحبها ما تبقّى من عمره.

الصورة والاستعارة

تُجسِّد الاستعارات الحسية اختناق الذات وتيهها، حيث يتحول الانتظار إلى سجن، والوعي إلى دوّامة بحر، وينتهي الخوف بصور كسر نهائي لا ترميم له.

خلاصة نفسية

نفسيًا، النص هو:

سيرة لحظة ضعف إنساني نبيل

لا مرض، بل حساسية

لا جبن، بل خوف من الفقد

لا مبالغة، بل قلب يراهن بكل ما فيه

ثم يُدان

لأنه لم يتعلّم اقتصاد الشعور

النص يصدر عن ذات:

 • تحب بعمق

 • تخاف بعمق أكبر

 • لا تحتمل الرفض لأنه يوقظ جراحًا قديمة

 • ترى الحب فرصة أخيرة لا تجربة عابرة

وهذا ما يمنحه صدقه المؤلم.

القراءة السياسية التأويلية للنص

القراءة التأويلية السياسية للنص لا تنفي مستواه العاطفي، بل تعتبره قناعًا رمزيًا لوعي سياسي مأزوم، وهو تأويل مشروع بالنظر إلى تجربة كاتبه ومساره العام، حيث يتقاطع الشخصي بالعام باستمرار.

هذه القراءة تنطلق من فرضية أساسية أن النص العاطفي هنا يعمل بوصفه استعارة كبرى لحالة الفاعل السياسي في سياق قمعي، مأزوم، لا يضمن الاعتراف ولا القبول.

أي أن الحب ليس فقط حب امرأة، بل:

 • رغبة في اعتراف

 • بحث عن شرعية

 • محاولة عبور إلى فضاء عام مغلق

الفاعل السياسي المستقل

الكاتب في النص يمكن تأويله بوصفه:

 • الفاعل السياسي المستقل

 • صاحب الموقف الأخلاقي

 • المثقف/النائب الخارج عن الاصطفافات

صفاته النفسية في النص تطابق وضع هذا الفاعل:

 • وحيد

 • محاصر

 • متردد بين المبادرة والكلفة

«مضطرب متناقض بين الفعل وضده»

وهذه جملة سياسية بامتياز.

الرغبة في “طلب اليد”

طلب الزواج هنا يُقرأ بوصفه:

 • عرض مشروع

 • التزام طويل الأمد

 • شراكة قائمة على العقد لا النزوة

«زواج يدوم العمر»

وهذا يقابله سياسيًا:

 • مشروع وطني

 • التزام مبدئي

 • لا صفقة عابرة

الزنزانة والسجن

الصور المتكررة للسجن:

 • زنزانة

 • قيود

 • أبواب صدئة

 • عتمة

كلها استعارات واضحة لـ:

 • القمع

 • تقييد الفعل العام

 • انسداد الأفق السياسي

والتحرر عند رؤية المرأة:

لحظة أمل بانفتاح المجال العام.

الوهم السياسي

الإيماءة التي لم تكن له هي أهم مفصل سياسي في النص.

تأويليًا:

 • هي قراءة خاطئة لإشارة سياسية

 • أو تعويل على موقف ظُنّ أنه داعم

 • أو ظنّ أن المجال فتح، بينما لم يكن كذلك

عندما يتضح أنها لغيره:

يحدث الانكسار السياسي لا العاطفي فقط.

وهذا يعكس:

 • خيبة المثقف من السلطة

 • أو من الجمهور

 • أو من تحالف ظنه ممكنًا

الانسحاب القسري

الرغبة في أن تبلعه الأرض تعني سياسيًا:

 • الانسحاب من المشهد

 • الرغبة في الاختفاء من المجال العام

 • تجنب التشهير أو الإذلال السياسي

ليست هزيمة، بل:

حماية أخيرة للكرامة.

الخوف من الإقصاء

الرفض في النص ليس رأيًا مخالفًا، بل:

 • إقصاء

 • تهميش

 • كسر رمزي

 • نفي من المجال العام

ولهذا يقول:

«لا أحتمل رفضًا يسحقني»

وهو توصيف دقيق لواقع سياسي لا يرحم المختلف.

لماذا اختار القناع العاطفي؟

اختيار العاطفة قناعًا له دلالتان سياسيتان:

 1. تفادي المباشرة في سياق قمعي

 2. تعرية السياسة عبر الإنساني

والنص يقول:

السياسة ليست صراع برامج فقط، بل صراع كرامات.

النص العاطفي

 • الزمن عبء

 • العمر تهديد

 • المستقبل مخاطرة

«العمر الباقي»

وهذا يعكس:

الإرهاق السياسي المتراكم.

في النص العاطفي

الهزيمة:

 • نهائية

 • كسر لا يُجبر

 • محو ذاتي

وهنا تتجلى:

كلفة الصلابة السياسية على الداخل الإنساني.

لماذا لا يظهر هذا الصوت في السياسة؟

لسببين:

 1. لأن السياسة لا تسمح بالهشاشة

 2. لأن الخصم يستثمر الضعف

لذلك:

هذا النص هو “غرفة الاستراحة النفسية” للمقاتل السياسي.

ماذا تضيف هذه المقارنة لمشروع الكاتب؟

تكشف أن كتابته ليست مزدوجة، بل:

 • طبقة مواجهة

 • وطبقة نزف

وأن النصوص العاطفية:

 • ليست خروجًا عن السياسي

 • بل تفريغًا له

خلاصة

إذا كانت نصوص الكاتب السياسية تقول:

«أنا أقاوم»

فإن «لو تبلعني الأرض» تقول:

«أنا أدفع الثمن»

وهذا ما يمنح مشروع الكاتب:

 • صدقًا نادرًا

 • كثافة إنسانية

 • ومشروعية أخلاقية أعلى

خلاصة

النص يمكن قراءته بوصفه نص عن:

 • الخيبة السياسية

 • سوء قراءة اللحظة

 • ثقل التاريخ

 • هشاشة الاعتراف

خاتمة مفتوحة

هذا التأويل لا يلغي العاطفي، بل:

 • يكشف عمقه

 • ويمنحه بعدًا تاريخيًا

مسك الختام

في النهاية، لا يخرج هذا النص من التجربة، بل يعود إليها محمّلًا بما كُشف عنها. «لو تبلعني الأرض!» ليس استراحة من السياسة، بل أثرها العميق في النفس؛ ليس تراجعًا عن الموقف، بل الوجه الذي لا يُرى من ثمنه. هو الكتابة حين تُطفئ ضجيج الخارج، وتُنصت إلى ما كُسر في الداخل، دون ادّعاء بطولة، ودون طلب شفقة.

إذا كانت النصوص السياسية الصريحة تصرخ في وجه الظلم، فإن هذا النص يهمس بما خلّفته الصرخة في الروح. وإذا كان الخطاب العام يُشيّد نفسه من صلابة الموقف، فإن هذا البوح يكشف هشاشته النبيلة، تلك التي لا تُضعف الفاعل، بل تمنحه صدقه الإنساني، وتعيد ربطه بجوهر ما يدافع عنه: الإنسان، لا الفكرة المجردة.

هكذا، تستقر هذه الكتابة في قلب المشروع، لا في هامشه؛ بوصفها شهادة أخرى، أقل صخبًا، وأكثر عمقًا. شهادة تقول إن من يجرؤ على أن يُرى في ضعفه، هو وحده القادر على أن يقف طويلًا في العاصفة، لا لأنه لا ينكسر، بل لأنه يعرف تمامًا كيف يُرمِّم انكساره، ويحوّل هشاشته إلى معرفة، وخوفه إلى بصيرة.

إنها كتابة لا تطلب تعاطفًا، ولا تلتمس تبريرًا، بل تمارس حقها في الصدق؛ صدق من أدرك أن القوة ليست نقيض الضعف، بل ثمرة الاعتراف به، وأن من يواجه ذاته عاريًا من الادّعاء، هو الأقدر على مواجهة العالم بلا أقنعة

نص “لو تبلعني الأرض!” 

أحمد سيف حاشد

تناقض جم ينهش وعيي.. مشاعر محتدمة كأمواج بحر يتلاطم لُجُّهُ، وفي الوجه الآخر يعترك مع جبال شواطئه الصلبة، والطقس مضطرب منفلت مجنون.. أوهامي دوامة بحر تركض بعدي، تلاحقني وتدور ولا تتعب.. حالي حال رجل تلبّسه شيطان في نوبة غليان. وأحايين أخرى أشعر بالضيق، كمعتقل في زنزانة أضيق من قبضة يد، ليس فيها فسحة، أو منفس أجمع فيه أشتاتي وشوارد أفكاري من أرجاء التيه.

مضطرب متناقض بين الفعل وضده.. بين أن آتيها لطلب اليد، وتردد أكبر منه.. زحام من حزن، وفرج يشق طريق الضيق.. حصار يسد الطرقات، وأمل في وجه جدار من يأس يحاول أن يحفر منفذ نور.. أحياناً تضيق الجدران وتطبق فكيها على صدري ككماشة.. جدران ونتوءات تنشب أنياباً وأظفاراً في جسدي المنهك، فأبدو مصعوقاً ومصاباً بنوبة ضيق.

ألمحها فأحس بقلبي يقفز من بين ضلوعي كعصفور يخرج من قفص حديد، أو إنسان حر يتحرر من زنزانة التصق فيها الجسد العاري بنتوءات الجدران الحجرية، وعيون عاشقة للضوء تسملها العتمة.. تتحرر من أبواب صدئة، وأقدام وآذان تتحرر من رسف قيود وصليل حديد.

أبتهج بمقدمها كل صباح، وأرقص على إيقاع خطوات الحلم الراقص، وتشتد لحظات إرباكي، وتظهر جلية في السطح العاري، وأنا أحاول بكل قواي أداريها عن الأعين، وقد صارت أكبر منّي.. تتضاعف أضعافاً وأنا أحاول بمشقة أن أخنقها وأقمعها كدكتاتور.

عندما تعرض عنّي، ولا ترنو بطرف، أشعر ببعثرتي وتشظي روحي، وتناثر أشلائي ورجائي، وبحزن يضرب في بالغ أعماقي والوعي، وأرى قلبي مذبوحاً كعصفور، أو إبريق صار شظايا، أو كأسة أنيقة كانت تطربني، وقعت من سطح عالٍ، وارتطمت بقاع صلد.

كنت أريد أصارحها بحبي الجم، ورغبة تعصف بي، وطلبي لعقد قران، وزواج يدوم العمر، ولكن كنتُ أتأنِّي لألتقط منها إشارة قبول أو إيجاب، تساعدني على لملمة شجاعة خائف.. ألملمها من أطرف الأرض؛ وأحدث نفسي أن أكون جريئاً بعد الآن، وعندما لا أجد رداً أو بُداً أتردد خجلاً، والخوف يقمعني من أن ترفضني، وهذا الرفض كنتُ أراه سحقا للعمر الباقي.. داء لن أتعافى منه بدواء أو بإكسير السم، ولن تخرجني منه حتى قيامة.

في إحدى المرات كانت تومئ نحوي باليد اليمنى، وأنا شغف شارد في عالمها، متسمر في وجهتها، أنظرها بولع الحب الجارف.. بدت إيماءتُها صارخة الاستدعاء.. إيماء لي بوضوح أن آتي إليها!! كانت حركة يدها كبرق في ليل مسود يمنحني أملاً بقدوم الغيث.. كاد قلبي يقع أو يسقط دهشة.. يا هول مفاجأة أكبر من قدر قادم ببشارة.. نبوءة في حلكة جهل أسود.. ولادة أمل مثل الشمس في وجه اليأس المعتم.. تساءلت: هل يمكن يا الله أن يكون عبوري للضفة الأخرى بهذا اليسر!! ما أسعدني يا هذا الحظ !!

أحببت أن أستوثق أكثر من باب دفع الاستسهال، فيما كان قلبي يطير فرحاً ويصعد سماوات لا يبلغها الحالم.. قلت لنفسي لا بأس أن أتأكد، مما صار في ذهني مؤكَّداً، وظناً منّي أن الأمر يلزمه بعض رزانة، حتى لا أبدو أخف من الريشة في الريح..

رَدَدْت بإشارة من يدي المرتجفة بالشوق اللاعج، أستفسر إن كنت أنا المقصود بإشارتها.. فتبين أن إشارتها ليست لي، بل لزميلتها الواقفة خلفي كجذع النخلة.. في تلك اللحظة تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعني مرات عشر.. تمنيت أن يخسف بي الرب وبالأرض التي تحت أقدامي إلى سابع أرض.

أوغلتُ في منطقة الحيرة، وترددتُ أكثر.. داهمني الظن العارم أني أحرث في بحر.. ظننت أن الرفض سيكون سيد موقفها، أما لغياب الود أو لفوارق طبقية.. فضلاً عن مانع آخر؛ فأنا أكبرها في العمر بعدد أصابع يد تخنقني بعد أن عاجلني الزمن ليضع الفرق خمساً أراها أكبر من عمر الشمس.. أنا لا أحتمل رفضاً يسحقني ويهزمني لآخر يوم في العمر.. لا أريد أن أتهور فتطويني كالرمة وترميني بكبر، أو تكسرني كزجاج لا يعود لسابق عهده.. تحاشيت كسراً لا يجبر ضرره حوريات الله في الجنة.

*​*​*

زر الذهاب إلى الأعلى